مع رواج استخدام التعليم بالشبكات الاجتماعية، واندماج تقنية التواصل التعليمي الاجتماعي في الممارسة الاجتماعية عبر الويب، ظهر ما يعرف بالتعليم من خلال مجتمع الممارسة Communities of Practice. والجدير بالذكر أن مفهوم مجتمع الممارسة ليس بالشيء الجديد لكنه موجوداً منذ وجود الإنسان على وجه الأرض، لكن مع زيادة استخدام نظم التعليم الاجتماعي الإلكتروني برزت أهمية العامل الإنساني في التعليم والتعلم والتحول من الفردية إلى التشاركية أثناء التعليم، ومن خلال نظرية مجتمع الممارسة ظهرت عدة مسميات منها شبكات التعليم Learning Networks ، والتعليم المجتمعي Community Learning ومجتمعات التعلم Learning Communities.
وتعرف مجتمعات الممارسة بأنها جماعات من البشر يشتركون في غاية واحدة، ويقومون بتعميق معرفتهم وخبراتهم في هذه الناحية عن طريق التفاعل بصورة مستمرة، ولقد أظهر تحليل تأثير تقنيات الاتصال على الحياة اليومية أن المجتمعات المحلية لا تتشكل فقط في المساحات الجغرافية المحددة بل أيضاً في الفضاء الإلكتروني، وتسمى المجتمعات الافتراضية Virtual communities. (بشرى الراوي، 2012، ص 7).
ويرى مانايل وفلكس (2012) Manuel, & Felix أن مجتمع الممارسة عبر الشبكات الاجتماعية هو مجتمع ممارسة افتراضي قائماً على العلاقات التبادلية عبر الويب، وهو يعد عنصراً رئيسياً في تعزيز التعليم الاجتماعي بالويب، ويعتمد مجتمع الممارسة على المشاركة المجتمعية، والمشاركة المجتمعية تؤثر بشكل إيجابي على الاندماج في المجتمع.
ونظرية مجتمع الممارسة الاجتماعية بشبكات التواصل الاجتماعي تشجع التعاون والمشاركة والتكامل الاجتماعي على الإنترنت بين الطلاب، مع تعزيز الإحساس بالانتماء للمجتمع وخاصة في بيئة التعليم بالإنترنت التقليدية؛ والتي لا يلتقى فيها الطلاب في الغالب وجهاً لوجه مع زملائهم الآخرين أو المعلم أثناء تلقى التعليم من بعد بالإنترنت، فمن خلال مجتمع الممارسة يتم استخدام تقنيات الشبكات الاجتماعية في خلق الألفة بين المتعلمين عبر الإنترنت، مع تحقيق التواصل وبناء مجتمع تعليمي في شبكة اجتماعية تربوية. (Kevin, et al. 2010)
ويرى محمد القحطاني (2010، ص 104) أن التعليم من خلال مجتمع الممارسة الافتراضية يعبر عن مجموعة من عناصر منظومة التعليم (معلم / متعلم / إدارة) بمؤسسة تعليمية ما، ويجتمعون ويتشاركون عبر شبكة أو شبكات للتواصل الاجتماعي عبر الويب، سعياً لتبادل المعارف والأفكار والتفاعل، فيتم توظيف تطبيقات الويب كبيئات للتواصل الاجتماعي بدلاً من التفاعل المباشر وجهاً لوجه، فمجتمع الممارسة الافتراضية شبكة اجتماعية مستديمة التواجد لمجموعة من الأفراد الذين يتشاركون ويطورون قاعدة معرفية مشتركة بهدف التوصل لحلول لمشكلات تعليمية وتحقيقاً لأهداف مشتركة.
بينما يهتم راتشيفا (2006, p.2) Ratcheva بتعريف مجتمع الممارسة الافتراضية للتعليم من جانبين هما:
الجانب الاجتماعي الإنساني: ويعرف من خلالها التعليم بمجتمع الممارسة الافتراضية بأنه مجموعة من الأفراد يجمعهم اهتمام مشترك حول مشكلة بعينها يتواصلون من خلال وسائل تقنيات الويب والتواصل الاجتماعي بالإنترنت، وذلك للتفاعل والتحاور حول المشكلة والتغلب عليها.
الجانب التكنولوجي: ويعرف من خلالها التعليم بمجتمع الممارسة الافتراضية بأنه تطبيق تفاعلي على شبكة الويب من خلال موقع للتواصل الاجتماعي يسمح لمجموعة من الأفراد بالتواصل والمشاركة والتفاعل وتبادل الملفات حول قضية مشتركة.
وتقوم فلسفة التعليم بمجتمع الممارسة الافتراضية كما يرها دالسجارد (2011) Dalsgaard ، على اجتماع لعددٍ من الأفراد بهدف التعليم، من خلال مجموعة تشارك بعضها بعضاً في تحقيق العمل المشترك، فالتعليم بمجتمع الممارسة يركز في المقام الأول على المجموعات كما يهتم بالأفراد والجماعات الداخلية على اعتبار أنهم جزءً من مجتمع الممارسة، كما يركز عادة على التعاون والمشاركة والتفاعل، مستخدماً في جميع مراحله للتقنيات الاجتماعية ودعم الجماعات والمجتمعات من خلال الشبكات الاجتماعية.
هذا وقد أظهرت الدراسات والبحوث أن الوجود الاجتماعي يعد عنصراً أساسياً من عناصر التعليم والتعلم، ومجتمع الممارسة يساعد على تعلم الطلاب من خلال علاقة منفعة متبادلة قائمة على الوجود الاجتماعي والمشاركة والمناقشات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كما أن وجود المتعلم في مجتمع الممارسة الاجتماعية يجعله أكثر انخراطاً وتشاركاً وتفاعلاً وتعاوناً في التعليم مما يؤدى بالطبع لانخفاض مشاعر العزلة والانفصال التي تصيب معظم طلاب التعليم الإلكتروني التقليدي. (Kevin, et al. 2010).
ويؤكد يوسف (2012, p. 18) Yousef أن مواقع التواصل الاجتماعية تركز بشكلٍ كبيرٍ على بناء مجتمعات الإنترنت، وتحقق لهذه المجتمعات المصالح المشتركة، وبالتالي فهذه المواقع توفّر للمتعلمين الأدوات التي تساعدهم على الممارسة المجتمعية الافتراضية في مجال التعلم الاجتماعي بالويب.
وتؤكد دراسة مانايل وفلكس (2011) Manuel & Félix أن الطلاب الملتزمين اجتماعياً في المجتمع الطبيعي هم أكثر عرضة للاستمرار في استخدام الشبكات الاجتماعية على الويب وتحقيق النجاح في التعليم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
ويرى عثمان وآخرون (2012, p. 445) Othman, et alأن الشبكات الاجتماعية تساعد المتعلمين على الاندماج في التعليم الإلكتروني وخلق فرص جديدة في البيئة التعليمية تسمى التعلم الاجتماعي؛ حيث يتم التركيز الرئيسي على تبادل واسع النطاق للمعرفة.
ويؤكد بافون وآخرون (2012) Pavon, et al أن التعليم بالشبكات الاجتماعية يساعد فى نمو مجتمع الممارسة الاجتماعية بين المعلمين والمتعلمين، فالشبكات الاجتماعية تربط بين المتعلمين بجميع أنحاء العالم للتواصل مع بعضهم بعضاً وتبادل الخبرات والمواد، وفى ذلك إحياء لنظريات تعلم اجتماعية اضمحلت منذ عقدين من الزمن لظهور التعليم الفردى من خلال الكمبيوتر والإنترنت.
أ- ملامح نظرية مجتمع الممارسة في التعليم:
(1) البشر كائنات اجتماعية:
فالبشر كما يرى علماء النفس كائنات اجتماعية بطبعها، تسعى للتفاعل والانتماء، وهذا يعد الجزء الرئيسي لعملية التعلم، حيث يوضح أن الدافعية للتعلم تكمن في عضوية المجتمع.
(2) المعرفة ليست جامدة:
المعرفة ليست جامدة وغير محددة بوضع معين، وبالتالي فالمعرفة موزعة بين البشر؛ تكون عناصرها موزعة بين الأفراد، ومن خلال الممارسة الاجتماعية تتجمع المعرفة في مكان واحد.
(3) التعلم قائم على المشاركة المتبادلة:
فالتعلم ينظر إليه على أنه عملية مشاركة متبادلة في السعي لتحقيق الأعمال بفاعلية، أي يأتي من المشاركة النشطة فى التجارب الهامة، أو من خلال الانخراط الفعال في العالم المحيط، وهذا يعتبر نموذجاً حيوياً للتعليم، يشمل التفاعل والعلاقات بين الأفراد والمنظمات، والمشاركات بالأفكار، والصور، والفيديو، والأصوات، في إطار ثقافة تشاركية اجتماعية للتعلم وتوليد المحتوى.
(4) المعنى هو ناتج التعلم:
والمعنى يتمثل في القدرة على فهم العالم والمشاركة فيه، وهو الناتج الحقيقي لعملية التعلم، وهو يعنى أن الفهم والتجريب والخبرة في تفاعلاً مستمراً، ويتداخل الأشخاص والأحداث والإجراءات والأدوات والعالم مع الفكر والمعرفة والتعلم.
(5) التعلم مرتبط بالعمل الجماعي:
تقوم هذه النظرية على ربط كفاءة مجتمع الممارسة بالتعلم الجماعي كوسيلة لمشاركة المعلومات، والتعلم بالممارسة يجعل المشاركين فيه مدركين أنهم يتعلمون من عملهم الجماعي، كما أن الممارسة في حد ذاتها عملية جماعية اجتماعية مستمرة وتفاعلية، حيث يتفاعل الأعضاء ويقومون بأعمال مشتركة ويتناقشون للتوصل لفهم جديد، ويتعلمون من خلال تفاعلاتهم المستمرة حول قضية التعلم. (محمد القحطاني، 2010، ص 76)؛ (Eteokleous, n. 2012, p. 367 ; White, 2007, p. 57).
ب- سمات التعليم بمجتمع الممارسة الافتراضية:
من خلال مُدارسة كتابات ودراسات كل من: (بشرى الراوي، 2012، ص 12-20)؛ (Brady, et al. 2010, Shih-Hwa, 2012 ) أمكن وضع قائمة بأهم السمات التي يتصف بها التعليم من خلال مجتمع الممارسة الافتراضية كما يوضحها العرض التالي:
(1) المرونة الاجتماعية:
ويقصد بالمرونة الاجتماعية انتهاء فكرة الجماعة المرجعية بمعناها التقليدي، فالمجتمع الافتراضي لا يتحدد بالجغرافيا، بل يتحدد بالاهتمامات المشتركة التي تجمع مجموعة من المتعلمين المتقابلين إلكترونياً.
(2) الاجتماع الحر غير المقيد بزمن:
ويقصد به عدم التقييد بزمن معين لتشكيل المجتمعات الافتراضيّة، فهى مجتمعات يستطيع المرء أن يجد من يتواصل معه فى المجتمعات الافتراضيّة على مدار الساعة.
(3) القضاء على العزلة التعليمية:
ويعنى ذلك أن يكون التعليم مقدماً بطريقة إلكترونية اجتماعية، فيكتسب صفة الذاتية والفردية في التعامل مع أجهزة التواصل بالإنترنت، والدخول على مواقع التعليم دون الإحساس بالعزلة التي كانت جانباً من جوانب النقد الموجه للتعليم الإلكتروني التقليدي، فاكتسب التعليم الصفة الاجتماعية بالإضافة للتعليم الإلكتروني أو الافتراضي عبر الويب.
(4) ديمقراطية التعليم:
لا تقوم مجتمعات التعليم بالممارسة الافتراضيّة على الجبر أو الإلزام، بل تقوم في مجملها على الاختيار الحر وديمقراطية التعبير والحوار والتفاعل والمناقشات.
(5) تقوم على تبادل المعلومات بين المجتمع:
تعتمد مجتمعات الممارسة الافتراضية على تبادل المعلومات بين عناصر عملية التعليم، وتدعيم وتعزيز الحضور الاجتماعي من خلال الممارسة، مع توظيف شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت لتمكين المتعلمين من التواصل والتعاون دون قيود، ويتم الاجتماع والتعاون والتواصل والمشاركة من خلال خدمات شبكات التواصل الاجتماعي لمساعدة المتعلمين على الفهم المشترك والمشاركة في المناقشات والتعاون، وتقاسم الموارد المشتركة.
(6) تقاسم المعرفة:
نظرية مجتمع الممارسة الاجتماعية تساعد على تقاسم المعرفة؛ من خلال التعليم الاجتماعي بشبكات التواصل الاجتماعي، والذى يحقق الدعم الاجتماعي والتفاعل بين فريق التعليم، كما يؤدى إلى مشاركة المتعلمين في بناء المعرفة للتشجيع على تبادل المعرفة من خلال إنشاء شبكة اجتماعية داعمة للمعلم.
جـ- الدراسات والبحوث السابقة التي تناولت التعلم من خلال مجتمع الممارسة:
مع ظهور استراتيجية التعلم من خلال مجتمع الممارسة واستخدامها في تقديم التعليم بالشبكات الاجتماعية، اهتمت بعض الدراسات والبحوث السابقة بالبحث حول هذه الاستراتيجية وتطورها وتأثيرها على التعليم والتعلم، ومن هذه الدراسات:
دراسة بيدارد (2009) Bedard والتي استهدفت تكوين المجتمعات الاجتماعية التعليمية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وتكونت عينة الدراسة من (36) طالباً من الطلاب المسجلين لدرجة الماجستير من خلال الدراسات العليا عبر الويب، واستخدمت الدراسة استطلاع آراء موجه لأفراد العينة، واستخدمت الدراسة المنهج الوصفي للتوصل إلى نتائجها، وتوصلت النتائج إلى أنّ مواقع الشبكات الاجتماعية ساعدت على وجود مجتمع الممارسة الاجتماعية عبر الويب، كما أن التعليم بهذه المجتمعات يحقق زيادة فى التحصيل وينمى الاتجاهات نحو التعليم بالويب.
كما أجرى دورم وآخرون (2010) Dorum, et al دراسة استهدفت تعرف تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في الشعور بالانتماء للجماعة لدى طلاب التعليم الجامعي، مع محاولة البحث حول تحديد كيفية استخدام هذه الشبكات الاجتماعية في تحقيق التكامل الاجتماعي والأكاديمي بين الطلاب، تكونت عينة الدراسة من (370) طالباً من طلاب المرحلة الأولى للتعليم الجامعي منهم (185) طالباً يعيشون في المدن الجامعية و(185) طالباً يعيشون خارج المدن الجامعية، واستخدمت الدراسة استقصاء موجه لأفراد العينة تم تطبيقه مرتين على العينة قبل التعرض لشبكات التواصل الاجتماعي وبعد الدخول في حوارات عبر هذه الشبكات، واستخدمت الدراسة المنهج الوصفي للتوصل إلى نتائجها، ومن أهم هذه النتائج أن الطلاب الذين يعيشون خارج الحرم الجامعي يواجهون صعوبة في الاندماج الاجتماعي وخاصة في السنة الدراسية الأولى، كما أن الطلاب الذين عاشوا في الحرم الجامعي كانوا أكثر شعوراً بالانتماء من الطلاب الذين يعيشون خارج الحرم الجامعي، كما أظهرت النتائج أن استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية قلص الفارق في الشعور بالانتماء بين الطلاب الذين يعيشون داخل وخارج الحرم الجامعي وخلق مجتمع ممارسة اجتماعية للتعليم بالشبكات الاجتماعية عبر الويب، كما أشارت النتائج أيضا إلى أن استخدام التواصل عبر الإنترنت يساعد الاندماج الاجتماعي.
كما أجرى باشنيك (2011) Pashnyak دراسة استهدفت بناء مجتمعات الممارسة عبر الفيسبوك، وتحليل محتوى الفصول الدراسية الاجتماعية بالفيسبوك، تكونت عينة الدراسة من (50) طالباً من طلاب كلية المجتمع من الدراسين عبر الفيسبوك، استخدمت الدراسة منهج تحليل المحتوى؛ لتحليل مضمون أعمال الطلاب وتعلمهم عبر مجتمع الممارسة الافتراضي، وتوصلت النتائج إلى أن الطلاب بعد الأسبوع الأول من دراستهم بالفيسبوك من خلال مجتمع الممارسة أصبح الطلاب أكثر نشاطاً، وصل عدد المناقشة الاجتماعية بين الطلاب إلى (3492) مناقشة، كما أن هناك زيادة كبيرة في مختلف المشاريع والأفكار المشتركة عبر التعليم بمجتمع الممارسة بالفيسبوك، وأظهرت النتائج أن مجموعات الفيسبوك أصبحت أساساً للممارسة المجتمعات الافتراضية.
كما أجرى ياموشى وآخرون (2012) Yamauchi, et al دراسة استهدفت تعرف أثر استخدام الفيسبوك باعتباره منصة التعليم الاجتماعي لربط طلاب التعليم الثانوي بمجتمع الممارسة الافتراضية من خلال الفيسبوك، تكونت عينة الدراسة من (74) طالباً من طلاب المرحلة الثانوية، استخدمت الدراسة مقياس تحديد أثر الفيسبوك كمجتمع ممارسة في التعليم الثانوي، واستخدمت الدراسة المنهج التجريبي للتوصل إلى نتائجها، ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة: (تقبل البرنامج التعليمي بصفة عامة عبر الفيسبوك من الطلاب المشاركين– التعليم بالممارسة الاجتماعية أكثر فائدة في التعاون التعليمي، هناك تأثيراً ايجابياً على العلاقات الاجتماعية بين الطلاب).
تعليقات
إرسال تعليق