بسم الله الرحمن الرحيم
سأتحدث عن الدور الذي لعبه الفيروس في إخراج مشروع التعليم عن بعد من الأدراج إلى التطبيق العملي في كثير من مدارسنا وجامعاتنا، حيث قامت المدارس والكليات الجامعية بإلقاء المحاضرات الافتراضية وتمكين الطلاب من متابعة المحاضرات في بيوتهم عبر أجهزة الكمبيوتر، ولولا هذه الجائحة الوبائية لما قامت مدارسنا وجامعاتنا بممارسة التعليم عن بعد بهذا الثراء.
إن التعليم عن بعد هو أحد طرق التعلم العصرية ويعتمد أساسا على قيام المدرس بإلقاء محاضراته من الفصل الافتراضي، ويستقبل الطالب المحاضرة وهو في بيته أو في ناديه أو في مدينته، أو في أي مكان من العالم، ويفتح الفصل الافتراضي أمام الجميع للمناقشة التفاعلية والمشاركة الفصلية بشكل يحقق الفائدة لكل الطلاب من أي مكان في العالم.
التعليم عن بعد Distance Learning أحد إفرازات التعليم المعرفي الحديث، وتؤكد مؤشرات تعليم المعرفة أن التعليم عن بعد سيحقق مزيدا من الانتشار في كل أنحاء العالم، وستكون له المكانة الرئيسة في منظومة التعليم والتنوير في كل مكان من العالم، وتزداد الحاجة إلى التعليم عن بعد في الظروف الطارئة مثل هذه الظروف التي يعيشها العالم اليوم بسبب انتشار وباء فيروس كورونا.
وفي ظل الاهتمام العالمي بالتعليم عن بعد، فإن جامعاتنا السعودية لم تتخلف عن بناء وفتح بوابات التعليم عن بعد أمام الراغبين في المعرفة والتعليم.
إن المعادلة الصعبة التي يواجهها العالم هي أن تكاليف بناء المؤسسات التعليمية وتوفير كوادرها وأجهزتها باهظة جدا، وأن معدلات الزيادة في عدد السكان، وبالتالي الزيادة في الطلب على التعليم ستتجاوز بنسب عالية جدا المعروض والمتاح، ولذلك بدأ العجز واضحا في قبول الطلاب في كثير من الجامعات في الدول المتقدمة والنامية والمتنامية.
ولهذا جاء مشروع التعليم عن بعد لينقذ الحضارة الإنسانية من الفشل في استيعاب مزيد من طلاب العلم ورواده.
التعليم عن بعد تعليم متكامل العناصر والفعاليات بدءا من تصميم المنهج الدراسي التفاعلي، ثم التعاقد مع الكفاءات القادرة على إدارة المعرفة، والعارفة بأحدث ما وصلت إليه التقنية الحديثة، وانتهاء بنظم الامتحانات والتقييم العلمي المستمر، بمعنى أن التعليم عن بعد يقوم على مهارات المعرفة الشاملة والمعرفة المتخصصة، كما يستثمر نظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطويعها لإثراء جميع مراحل العمليات التعليمية، إضافة إلى تطبيق المعايير والمواصفات العالمية الضامنة لتوفير أعلى درجات الجودة.
وقد ظهرت حديثا ــ كما هو عليه الآن في مدارسنا وجامعاتنا ــ الفصول التفاعلية التي تسمح للمعلم أو المحاضر أن يلقي محاضراته مباشرة على الآلاف من الطلاب في جميع أنحاء العالم دون التقيد بالمكان، بل تطورت هذه الأدوات لتسمح بمشاركة الطلاب من كل أنحاء العالم في الحوارات والمداخلات.
التعليم عن بعد أسلوب جديد ومتطور يعتمد على استخدام إدارة المعرفة والمشاركة الواسعة للدارسين كجزء أساس من أدوات التعليم العصري الحديث، ولذلك لا يجب أن نبسطه ونعده مجرد تغطية لطلب شريحة من الناس لم تساعدهم ظروفهم على الانخراط في التعليم النظامي، بل هو نظام كامل وشامل لنشر المعرفة والتعليم ــ على أعلى مستوى ــ في ربوع الكرة الأرضية.
إن التعليم عن بعد في جامعاتنا السعودية تتوافر له منظومات إلكترونية تفاعلية وأدوات تعليمية حديثة، وبرمجيات متخصصة مرتبطة بمحافظ تعليمية مزودة بكفاءات عالية المستوى حتى ترتفع برامج هذا التعليم إلى مستوى الاقتناع عند شرائح عريضة من طلاب العلم والمعرفة.
إن التعليم عن بعد لم يعد مجرد تعليم في الهواء الطلق على طريقة برامج (التوك شو)، بل هو مجموعة من العلوم الذكية التي تدار من خلال عالم المعرفة بهدف تحقيق كثير من التوازنات في المجتمعات الإنسانية، فهو بمنزلة حرب كونية شاملة على الأمية، إضافة إلى أنه يسهم في رفع المستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي لدى أفراد المجتمع، وهو أيضا يعالج النقص في كوادر المدرسين والمدربين، ويسد العجز في المباني التعليمية والجامعية، ويعمل على تغطية القصور في الإمكانات، كما يوفر التعليم عن بعد مصادر تعليمية متنوعة ومتعددة بأسعار لا تضاهى ولا تزاحم.
لقد حقق التعليم عن بعد في كبريات الجامعات الأمريكية والأوروبية وفي كل دول العالم المتقدم انتشارا ونجاحا منقطع النظير، وأثبت للإنسان الذي يبحث عن المعرفة والعلوم بأنه في أيد أمينة، وأنه سيحقق مكاسب علمية يصعب تحقيقها في التعليم النظامي.
والتعليم عن بعد بهذه المزايا يرسخ مبدأ مجانية التعليم ويحقق توازنات معرفية وثقافية بين كل المجتمعات الإنسانية بحيث تنتشر الثقافة والمعرفة وتصل إلى كل راغبيها بصرف النظر عن العالم الذي يعيش فيه طالب المعرفة أو الدولة التي ينتمي إليها أو الجنسية التي يحملها.
إن التجربة التي يخوضها أبناؤنا وبناتنا في هذه الأيام مع التعليم عن بعد تعد من التجارب الثرية التي تتيح للتعليم عن بعد تجارب مهمة للمضي قدما نحو ترسيخ هذا العلم في صلب العملية التعليمية، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
تعليقات
إرسال تعليق